الأفــق التاريخـى والديمقراطـى للفكـر العلمانـي
دكتور/ جورج فهمى
أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا - سابقاً
فى عالم يتزايد فيه التداخل بين أرجائه وتزدحم سمائه بغيوم طارئة ، فإن قضايا مصيرية كالحرية والديمقراطية والعلمانية ، داخل منظومة الفكر القومى ، تتطلب ولا شك استدعاءاً عاجلاً لقوى الإستنارة الوطنية – عسى أن تصل إلى فكر يحسن التدبير بين الأضداد وآلية لا تسمح لخفافيش الظلام أن تنتعش أو تمزق بأشواقها نسيج أمة وأواصر شعب . فى هذا الخصوص ، فإننا نستدعى صيحة سقراط ( أعرف نفسك ) التى قرأها فى معبد دلفى حتى نستطيع أن نشارك الطبيعة ونستنطق التاريخ فى صنع مستقبلنا .
أولاً : المصرى – بين الانتماء القومى والولاء العربى
1) مع التسليم الكامل بالروابط اللغوية والعقائدية المشتركة التى تربط مصر بأشقائها العرب ، إلا أن العروبة كرابطة ثقافية لم تتحول يوماً إلى هوية قومية أو إنضوى تحت لواءها شعوب المنطقة العربية ، فالشعوب العربية كانت ولا زالت جماعات قومية لا تشكل أمة واحدة ، لأن أصولها مختلفة ومواريثها الثقافية واللغوية متعددة وأوضاعها السياسية والأقتصادية والإجتماعية متباينة . ولأنها متعددة الأعراق فالمصريون إذن غير النوبيون والفينقيون غير البابليين والعرب غير اليهود ، بل حتى بعض لغاتهم القومية لا زالت متداولة حتى الآن : فنصف المغاربة يتكلمون إلى اليوم لغاتهم الأصلية والسريانية لا تزال حية فى سوريا ولبنان وكذلك الكلدانية فى العراق . بل إن اللغة القبطية القديمة فى مصر ظلت حية حتى القرن السادس عشر . وحينما خضعت المنطقة العربية الممتدة من العراق إلى المغرب لسلطة سياسية واحدة ، كانت أقطار هذه المنطقة تتجزأ وتتوحد حسبما يمتد نفوذ الحاكم أو ينحسر – ولم يحدث أن شهدت الدولة الإسلامية الكبرى مداً وحدوياً بين أقطارها سوى بضعة قرون فى ظل الرومان الذين عجزوا عن ضم العراق والجزيرة العربية إلى إمبراطوريتهم ، ومثلها فى ظل الأتراك الذين عجزوا أيضاً عن ضم المغرب إليهم .
2) أما فى ظل السلطة العربية الموحدة ، فلقد تهاوت الخلافة العباسية وفقد الخليفة سلطانه على بغداد مع منتصف القرن الثالث الهجرى ، وأنفرط عقد الدولة الإسلامية الواحدة وتحولت إلى دويلات شتى ، حتى بعد أن أستولى العثمانيون على معظم الأقطار العربية .
كذلك لم تكن النظم التى أقامها الرومان والعرب والأتراك نظماً مركزية لكيان سياسى واحد ، نظراً لتناثر المدن والواحات فى المناطق الصحراوية والجبلية على مساحات شاسعة ، وكذلك تأخر ظهور المجتمعات المستقرة ومقومات الدولة المركزية ، مما عصف بمحاولات التوحيد التى كانت تتاح لها بين الحين والحين - هذا فى الوقت الذى توحدت فيه مصر وقامت فيها الدولة المركزية منذ خمسين قرناً من الزمان .
لهذا – فإن المنطقة العربية على هذا النحو لم يجمع بينها تاريخ متصل ولا أقتصاد مشترك ولا كيان سياسى جامع ، وحرى بنا أن نظهر هذا الأختلاف ولا نؤبنه لأنه ليس قشوراً تتساقط كما يتساقط الجلد الميت . فالأعتراف به ليس إيثاراً للتفرد أو إنكاراً للروابط بقدر ما هو تشخيص ومكاشفة لتحقيق أحلامنا المستقبلية فى التضامن والتكامل .
3) وعندما جاء الإسلام فاتحاً ، كان العرب وقتئذ قبائل مرتحلة وكيانات هلامية وتجمعات متناثرة ، فأنطوت تحت سلطانه حتى استغرقها خيال القوة وأنتشت بأحلام النصر على الصلبيين ، فخلعت على نفسها مجازاً – الأمة العربية والإسلامية جنباً إلى جنب مع شعارات ثورية ، أردنا أن نختصر بها الزمن ونقفز منها على المستقبل الذى نتمناه .
من هذا المنطلق ... فإنه لا يجوز أن نعتبر العرب والمسلمين أمة واحدة لأنهم أمم شتى ، فكيف يكون البوشناق والأتراك والعرب والأكراد والإيرانيون والأفغان والهنود والتتار والمغول والأندونيسيون والنيجيريون والسنغاليون أمة واحدة . كذلك لا يجوز الخلط بين الأمة والدولة فى المفهوم السياسى ، فالأمة تتجاوز الأعراق والديانات إلى أتفاق المصالح والغايات . بينما لا تقوم الدولة ككيان سياسى على وحدة اللغة والإيمان المشترك بقدر ما ترتكز على الثقافة القومية والإرادة المشتركة والمصالح المتبادلة تحت مظلة النظام وسيادة القانون .
4) إن مصر حينما تعربت ، هضمت العروبة والأديان معها ولم تفقد ما كان لها قبل الإسلام من ثقافة وحضارة وتاريخ ، بل إنها أضافت إلى انتماءاتها الفرعونية : القبطية والإسلامية والعربية والأفريقية . فالهوية المصرية ليست موزعة بين الإنتماء الوطنى والإقليمى والدينى – لأنها ليست حاصل جمع هذه العناصر ، بل هى حاصل ضرب وتفاعل عدداً من العناصر الأصيلة والوافدة – بعضها معروف وأكثرها مجهول .
ولأنها لا تعرف التعصب ولا نقاء العرق فإنها لم تتردد فى إستقبال الوافد الغريب واندمجت معه فى أصول من الفرس واليونان والرومان والعرب والأتراك .
لهذا – فإننا لا ننشئ تناقضاً بين هذه الإنتماءات ولا نستبعد أي منها ، فنحن مصريون قبل أى صفة أخرى ، يعيش فينا هذا الإنتماء الجامع ثم نحن عرب ومسيحيون ومسلمون بعد ذلك .
5) تماماً – كما تعددت الإنتماءات بالنسبة للفرنسيين مثلاً ، فهم ينتمون من ناحية لقبائل الفرنجة الذين أخذوا منهم صفتهم الأسمية ومن ناحية أخرى للرومان الذين أخذوا عنهم لغتهم ، ومن ناحية ثالثة للساميين الذين أخذوا منهم دينهم – لكنهم حولوا هذه العناصر والإنتماءات إلى أصول أولى صهروها فى بوتقة تاريخهم وصنعوا منها فرنسا جديدة تنتمى لنفسها قبل أن تنتمى لأى كيان أخر . ليس حرى بنا إذن أن نسقط هذه الانتماءات ، فحينما أسقطها الروس الذين ينتمون للجنس السلافى والكنيسة الأرثوذكسية – بعد ثورتهم الاشتراكية ، عادوا القهقرى وإنهار المعسكر وسقط النظام .
ثانياً : الإسلام السياسى والقوميون العرب: منظور ثيوقراطى
1) هذا التعدد الوطنى فى الإنتماءات أثرى الشخصية المصرية ولم ينل من خصوصيتها ، فلم تعد مصر قبطية خالصة ولا عربية إسلامية خالصة ، بل لقد تحولت القبطية من صفة قومية تجمع كل المصريين إلى صفة دينية وتحول الإسلام أيضاً من عقيدة دينية إلى عنصر مشترك فى الثقافة القومية .
هذا التعدد فى الإنتماء أضاف إلى العروبة والإسلام وبلور الشخصية المصرية وساعدها على الاستقلال . فسارعت مصر إلى إنشاء كنيسة قومية أرثوذكسية تختلف عن كنيسة الإمبراطور البيزنطى الملكانية ، كما أسست أول مدرسة للاهوت بالأسكندرية ووضعت قانون الإيمان الأرثوذكسى ونادت بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح . أما على المستوى الإسلامى ، فلم تسع مصر إلى توظيف الإسلام سياسياً – كما فعلت إيران التى أصبحت شيعية لتتمكن من الوقوف فى وجه الأتراك السنيين ، بل جمعت فى وسطية فريدة بين إلتزام السنة ومحبة آل البيت – فضلاً عن إمتلاء الساحة الفقهية بأساطين الفكر الإسلامى المعتدل أمثال على عبد الرازق ومحمد عبده وطه حسين وأحمد لطفى السيد .
من هنا نرى أن تعدد الإنتماءات قد جدد فى الأديان وطورها لكى تستجيب إلى حاجتها فى الإستقلال والإنفصال عن الإمبراطوريات المقدسة التى ظلت تتراجع حتى أختفت فى العصور الحديثة .
2) بدأت هذه الإمبراطوريات الدينية - أول ما بدأت بطرد أحمس للهكسوس فى القرن السادس عشر قبل الميلاد ، وعندما لم يتوقف أحمس عند حدود مصر منتصراً ، أستمر إلى الشرق حيث انشأ أول إمبراطورية دينية فى التاريخ تمتد من الفرات إلى بلاد السودان وعاصمتها طيبة . ثم جاءت محاولة إخناتون فى دمج شعوب الإمبراطورية المصرية فى أمة عن طريق الدين أيضاً . توالت بعدها محاولات إسكندر المقدونى ثم يوليوس قيصر فالمسيحيون ثم المسلمون ، إلى أن توارت الإمبراطورية المصرية الدينية تماماً ، فحكمها أمراء وملوك من أصول سورية وليبية ونوبية حتى نجح الأشوريون فى دخول مصر والإستيلاء على طيبة نفسها . توالت الإمبراطوريات الدينية بعد ذلك على مصر فأصبحت مصر تابعة لعدد من الإمبراطوريات التى تحكم بإسم الدين – يستعبد فيها الرعايا وينكل فيها بالمخالفين بعد إن أضحى الدين قومية وباتت الشرائع دولة .
3) وأخيراً تزاوجت الأديان بالسياسية ، فأستثمر الفاتحون دين الغالب وثقافته فى بسط نفوذهم – تماماً كما فعل الرومان الفاتحين بالأوربيين الأصلاء حينما تركوا لغتهم الأولى وتكلموا لغة الرومان اللاتينية ثم تركوا دياناتهم القديمة وأعتنقوا المسيحية التى اعتنقها الرومان قبلهم .
وحينما أتسعت عباءة الأديان لكى تتجاوز العرق واللغة ، ضمت شعوباً وثقافات متعددة ومصالح متضاربة وفرقاً متناحرة ، أقهر بعضها بعضاً لكى يستقر الأمر والحكم فى قبضة الأباطرة المسيحيين والخلفاء المسلمين ومن يشايعونهم من حملة المشاعل الدينية . أدرك الناس أن أولئك وهؤلاء لا يحكمون إلا بإسم أنفسهم ولا يدافعون إلا عن سلطانهم ، فانتشرت الأفكار الديمقراطية وانهارت الإمبراطوريات الدينية وظهرت الدولة القومية وفصل الدين عن السياسية ... إلا فى المنطقة العربية .
4) كان سقوط الخلافة الاسلامية بعد اعلان تركيا دولة علمانية سبباً فى ردود افعال حماسية ، طالبت بالاسلام هوية بديله عن الانتماء للوطن ، لكى تملأ به الفراغ الذى تركته الخلافة العثمانية وما كانت تقدمه من نفوذ وغطاء للاقطار الإسلامية المتناثرة فى الارجاء الشاسعة . تسيد هذا الاعتقاد بمواطنة الإسلام نتيجة انتشار العرب فى الامصار المفتوحة وتحولها إلى جزء منه ، فتم تغييب القيمة الوطنية للارض وخصوصية المجتمع ، وأضحت صفة المواطن كمسلم تجب صفته كمصرى - فصودر الوطن لصالح العقيدة وأصبحت ديار الإسلام بديلا عن الوطن . تزامن مع هذا الفكر – تيار أخر عروبى متأسلم وجد فى العروبة اصل وهوية وفى الإسلام السياسى مرجعية قومية فتقاطع التياران عند نفى الوطن ، إلى أن خرجت مصر كدولة قومية من عزلتها العثمانية وانفتحت على النموذج الأوروبى الذى أخذنا عنه الديموقراطية والعلم والاستنارة ، حتى أثبتت الوطنية المصرية حضورها وأنجزت وعودها ، فكانت أكثر نفعا للعروبة حينما بلورت الثقافة العربية باتصالها مع الفكر الأوروبى وأنشأت الجامعة المصرية وأعلنت الدستور وعرفنا النظم الديموقراطية وانخرطنا فى حياة الوحدة الوطنية بشعارها الهادئ ( الدين لله والوطن للجميع ) .
5) إلا أن انفتاح مصر على العالم وهى تقطف وروده لم تحمها من أن تجرحها بعض أشواكه ، فجاء المستعمرون وجاء من بعدهم العسكر فى جبة الشيوخ ثم ارتفع شعار العروبة وأمطرنا بوعوده الخلابة . زعم القوميون أن العرب امة واحدة وتأففوا من واقع يفرق بين بدو وحضر أو بين مشرق ومغرب واستنكروا الفواصل السياسية التى صنعها الاوربيون ببلادهم .
خرج القوميون العرب بعد ذلك ، ومعهم العسكر المصريون من معطف الإسلام السياسى ، وقدموا أنفسهم بديلاً عن قوى الديمقراطية والإستنارة ، فالغوا النظم الديمقراطية وعطلوا الدساتير وحلوا الأحزاب وصودرت الحريات وزج بالمعارضين فى ساحات السجون والمعتقلات ، فضلاً عن إهتمامهم المشترك بإنشاء المؤتمر الإسلامى والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ومجمع البحوث الإسلامية وإذاعة القرآن الكريم وتحول الأزهر إلى مؤسسة منافسة لوزارتى التربية والتعليم العالى .
احتدم الصراع بين هؤلاء القوميون والاخوان على السلطة ( ساطع الحصرى والناصريون وغيرهم ) . ولم يكن الصراع حينئذ على منطلقات فكرية أو أيدولوجية أو ممارسات ديمقراطية تخدم الوطن ومصالحه ، بل كان كل منهم يسعى إلى حلمه القديم - فالقوميون العرب يحلمون ببعث ماض تليد لم يتحقق فى الوحدة العربية ، والخطاب الدينى الزاعق للاخوان يحلم بإحياء الخلافة والعودة إلى الإسلام الأول .
عاشت مصر – وقتئذ سنوات من الطغيان السياسى انتهت إلى هزيمة عسكرية وفوضى اقتصادية وارتباكا اجتماعيا أفقدت المصرى توازنه وثقته فى نفسه وبنى وطنه ، فلم يبقى له إلا أن يلوذ بانتماءاته العرقية والطائفية الموروثة ، فتمزقت الوحدة الوطنية فى مصر ثم صدرتها إلى لبنان والسودان والجزائر والعراق ، بعد أن حل الانتماء الدينى محل الانتماء الوطنى وصارت الأمة الإسلامية بديلا عن الأمة المصرية .
6) أسرعت النظم الرجعية وجماعات الإسلام السياسى لكى تتبوأ مكانتها فى المجتمع المقهور وتم استدعاء الفتاوى التى تذيب المصرى فى قوميات إسلامية كى يصبح إمتداداً لها ، فظهرت فتاوى جمال الدين الافغانى وأخيرا فتوى أبو الاعلى المودودى إمام الجماعات المتطرفة فى باكستان الذى يؤثر عنه قوله " لو أن هناك عدوا للإسلام بعد الكفر فهو شيطان الوطن " .
دعت هذه الجماعات إلى رده عقلية شاملة وعودة الى الاصولية الجامدة ، فقامت بزعزعة أركان الدولة الوطنية وتكفير المجتمع ومطاردة الفكر الحر واغتيال الأدباء والفنانين ، وأشعلت الفتن الطائفية وتقاسمت السلطة مع أحزاب وجماعات عديدة ، فأصبحت مصر فى عهدهم تخاف الحاضر وترتاب فى المستقبل وتتشبث بالموروث بعد أن أصبحت جزءا ناقصاً من أمة إسلامية واهمة . إن هذه الجماعات مسئولة عن حال التردى غير المسبوق الذى آل إليه المجتمع المصرى وعن تراجع الإنتماء الوطنى لدى الشباب ، وإستباحة المال العام والزهد فى المشاركة المجتمعية والشعور بالعدمية واللامبالاة .
ثالثاً : الغـلاه والمتطـرفـون
(1) لما كان البشر فى مسيرتهم الانسانية تتنوع احتياجاتهم بين المادية والمعنوية والروحية ، فإننا نجد الدين مثلاً ، يلبى حاجات الانسان للحق المطلق بينما يلبى المجتمع حاجاته فى التآخى والتضامن ، فى حين تسعى الدولة لتوفير الأمن والمساواه لابناء الوطن الواحد . هذا التنظيم أو الفصل فى الاحتياج لا يجعل الدين مطمعاً أو مطية للاستئثار بالدنيا - مثلما تسعى الجماعات المتطرفة لهذا الخلط المتعمد فتفسد الدين والدنيا معاً . إنها ترفع الله شعارا للانفراد بالسلطة ثم تقحم اسم الله والقرآن والرسول - غاية ودستورا وزعيما .
إن الله بلا شك ، إيقاع صوفى هادئ ينساب فى أعماق الإنسان وهو بالقطع غاية فى حياة المؤمن يسعى اليها ويقترب منها لانه يلتمس فيها النور والعدل والرحمة . أما القرآن دستور ، فلا شك انه شريعة فى السياق الدينى ومنظومة قيمية وأخلاقية – أما الدستور بالمعنى المتداول فهو شريعة وضعية متغيرة وقانونا مدنيا ينظم حياه الناس باعتبارهم مواطنين لا مؤمنين ، أما الرسول زعيما فلا نتصور أن زعامة الرسل – المنزهة عن الهوى – هى زعامة سياسية حتى لو قدر لهم ان ينشئوا دولا ، وانما الزعامة لدى جماعات الاسلام السياسى موصولة بتقديس التراث الاسلامى الذى يجعل المرشد يتحدث بسلطان الوريث او الخليفة المعصوم ، الذى لا يجرؤ احد من الاتباع أو المريدين على مخالفته .
• إن هذه الجماعات تستنكر الحرية وتدعو للتنازل عنها ، لانها لا تقيم وزنا للعدل الالهى الذى يقتضى أن يكون الانسان حرا حتى يكون حسابه عدلا . إنهم يصادرون حريته فيتنازل عنها خوفاً وقهرا – تماما ، كما تنازل الألمان طواعية عن حريتهم للنظام السياسى النازى .
• إن هذه الجماعات أيضاً - يعوزها المنطق ، لأنها تضع الدين والسياسة فى إناء فكرى واحد . فكيف لها أن تجمع بين المطلق والنسبى فى عقيدة واحدة ! إن العقائد الروحية مطلقة لا يأتيها الشك ولا تقبل القسمة ولا تعرف الوسطية السياسية ، بينما لا تستطيع السياسة فى محتواها النسبى أن ترقى إلى مستوى المثل العليا للأديان .
• إن هذه الجماعات لم تتوان عن أسلمة كل مظاهر الحياة ، وتلفيق العلوم وأسلمتها حتى تعفى نفسها من المشاركة الإيجابية فى النهضة العلمية . بل إنها لا تتورع عن إعادة المجتمع المصرى قسراً إلى غياهب القرون الوسطى ومحاكاة يثرب فى القرن السابع الميلادى ، رغم اختلاف الظروف الحياتية والاقتصادية والاجتماعية والعلاقات الدولية شكلا وموضوعا .
• أنها أيضا تستخدم لغة التداعى وما يرادفها من الكلمات والأفكار . فانتخاب الرئيس لديهم هو مبايعة لأمير ، والمسيحيون فى عرفهم ذميون ووثائق الشخصية صكوك ورجال الشرطة فى دولتهم محتسبون والسياح مستأمنون والموسيقى منكر والعلوم السياسية فاسقة . حتى الأزياء التى يتبخترون بها من حجاب ونقاب وسروال وجلباب لم تخف ولاءها لعصور هذه اللغة أيضا. وأخيرا انتقل بهم هذا التداعى من الكلمة إلى العقل ومن العقل إلى الجلباب ومن الجلباب إلى الإرهاب ، حتى أصبح الانتحار الرخيص والموت الباهت دفاعا عن هذا الفكر من اسمى أمانيهم .
(2) بل حتى خطابهم الدينى الزاعق – جزءاً من تراث محفوظ لا يقدم ترجمة محايدة للألفاظ ولا منهجاً فى التفكير ولا رؤية مستقبلية ترتبط بواقع القضايا السياسية والاقتصادية والإجتماعية السائدة .
• إنه خطاب إذعان وتسليم لواقع يخاصم الحياة وأحكام لا تتفق وإنسانية الإسلام وتكريمه للبشر .
• إنه خطاب يفرض شعائره على الإنسان ولا يلبى حاجاته لأنه لا يعتبر الحياة بثوابتها ومتغيراتها مرجعه الأول .
• إنه لا يجرؤ على النقد أو مراجعة الفقهاء .
• انه لا ينظر إلى مقاصد النص ولا يتجاوز المعنى الحرفى للأحكام .
انه بذلك رده إلى عصر السلطة الدينية فى حضارة مصر الفرعونية التى كانت تقوم على تكريم النصوص . والقديمة منها على وجه الخصوص تحظى بالجدارة والتقديس ، ولا يكشف مقاصدها سوى رجال الدين حتى ينفردوا بالتحليل والتحريم .
(3) إن الخطاب الحالى بجموده وتقاعسه ، أفرز نمواً سرطانياً أصاب المجتمع المصرى فى مقتل ، بعد أن تحول المجتمع إلى أداة طيعة فى مختبر الإسلام السياسى . إن هذه الجماعات : استنساخ مشوه من أباطرة التفويض الالهى – إبان العصور الوسطى حينما كان ملوك أوروبا وباباوات روما يتبارون فى مراقبة الفكر ومصادرة الابداع وإختزال الانسان :
• كان الراهب سافونارولا ينتقد الكنيسة ويتغنى بمدينة فاضلة فحاكمه البابا اسكندر السادس وأعدمه .
• وكان الكاتب الاسبانى سرفينوس ينتقد بعض المعتقدات المسيحية فحوكم بتهمة الالحاد .
• وفى ايطاليا انشأ برونو فلسفة جديدة قائمة على أن للكون مادة - روحها الله ، فحوكم وأحرق حيا .
• هذا فضلا عن مصادرة فرنسا وإحراقها لمؤلفات فولتير عن الحرية " ومصادرة خواطر ديدرو الفلسفية ، وكادت تفعل الشئ نفسه مع جان جاك روسو ، لولا فراره الى سويسرا .
(4) إن هذه الجماعات تريد للإسلام ان يكون امتدادا للصهيونية ، فكما أن الصهيونية دين ودولة - يهودية وقومية ، كما قال بن جوريون ( ليس لنا أن نفصل الدين عن الدولة ، فهناك وحدة مصير بين دولة إسرائيل والشعب اليهودى ) . كذلك تسعى الجماعات المتطرفة بإقحام الاسلام فى بدعة السياسة ، فجعلوه امة إسلامية - إحداها فى باكستان والأخرى فى إيران ، فأفسدوا الدين والسياسة معا .
• فكما أن الاصوليين يؤمنون بتألهة النصوص الدينية وعدم جواز تأويلها ، وحتمية الاذعان لها والتضحية فى سبيلها بالنفس أو بالخصوم - هكذا كان يفعل السكاريون فى التاريخ اليهودى والحشاشون فى التاريخ الاسلامى .
• وكما يتشبث الصهاينة بالنصوص الدينية ويطالبون بتحكيم التوراة فى شئون الحكم والمجتمع من اجل إحياء مملكة داوود - هكذا يؤله المتطرفون النصوص الدينية أيضاً ويطالبون بالعودة الى نظام الخلافة.
• وكما تنادى جماعات الإسلام السياسى بتطبيق الشريعة والعودة إلى أحكام الماضى – نادت قبلهم فى أوربا جماعات التسوية المسيحية الصهيونية ( ليفيللرز ) – بالتوراه دين ودولة , كما نادت بالغاء الملكية وان تكون التوراة اساس الدستور الانجليزى والمصدر الوحيد للقوانين .
• وكما تسعى جماعات الإسلام السياسى لتهميش الأقباط واستئصال شأفتهم للإنفراد بمصر ساحة إسلامية وفض العروة الوثقى بين عنصرى الأمة ، هكذا سعت الصهيونية أيضا للتفرقة العنصرية بين المهاجرين الأوائل والجدد وبين اليهود الشرقيين والغربيين .
(5) أن هذه الجماعات أيضاً بخطابها الجماهيرى المستفز , تعبأ فئات الشعب بمفاهيم مغلوطة عن اليهودية والمسيحية مما يثير الغوغاء والبسطاء منهم , كما أنها تمادت وصنعت قانونها الخاص داخل أروقة الأجهزة الحكومية إستعداءاً للسلطات وبذورا للفتنة وتأليباً للمجتمع وإثارة للقيادات المستنيرة ضد غير المسلمين فى أجواء يشوبها الحذر والتوتر . إن الحرب الصليبية فى القرن الحادى عشر وضعت أوزارها بإشاعة سرت عن استعداد الخليفة الفاطمى بهدم كنيسة القيامة بالقدس , فشن الأوربيون حرباً وقائية لإيقاف توغل السلاجقة المسلمين فى املاك بيزنطة والشام .
كذلك ، فإننا نرى أن تقاعس الحكومات المصرية المتعاقبة عن فتح ملف الأقباط ومناقشته ، قد اعطى بعض المزايدين الأقباط مبرراً للإبتزاز السياسى والدينى – من أجل الحصول عنوة - على أية حقوق ، بعد أن فقد الوطن الندية الوطنية بين أبناءه وإنشطر إلى أقلية وأكثرية .
إننا أيضاً ، نحذر من أن عدداً من الأساقفة والاكليروس من شعب مصر المسيحى – باتوا اقل تسامحاً وأكثر تهوراً فى التعامل مع أحداث الفتن الطائفية - بعدما تراجع الانتماء الوطنى لدى الشباب المصرى كله فى مناخ عام ينذر بكل خطر .
(6) إن هذه الجماعات بعد أن أقاموا من أنفسهم سلطة دينية مطلقة , أغلقوا باب الاجتهاد الفقهى – تماماً كما أغلقه الحنابلة والاشاعرة عقب انتصارهم على المعتزلة القائلين بالعدل والتوحيد وخلق القرآن . إن هذه الجماعات لم تفطن إلى التحولات الفكرية التى تشهدها مصر والعالم – كما لم يفطن الحنابلة قبلهم فى القرن الثالث الهجرى ، إلى التحولات الفكرية التى شهدتها الدولة العباسية بعد أن رحل المأمون فخلفه المعتصم ثم الواثق ثم المتوكل – الذين مارسوا جميعاً ألوانا من القهر والقمع باسم الإسلام , فابعدوا العرب وهم حملة الرسالة كما ابعدوا الفرس وهم ورثة الحضارة وأقاموا سلطانهم على حراب المرتزقة من جنود الترك الذين لم تكن لهم سابقة ولا تراث ... فكان الأفول وكان الانحطاط .
(7) إن هذه الجماعات أيضا لازالت على رجعيتها ، تستعذب بقاء المرأة المصرية على فراش الرجل ولم تجعلها توأماً له فى الفكر والعطاء رغم أن الإسلام أطلقها من أسارها ورفعها درجات على سلم الجاهلية بعد أن كانت امة يقامر عليها الرجل فيخسرها , إلا أن النكوص فى عدم تأويل النصوص الدينية إلى الآن ، يتناقض مع حقوقها فى العدل والمساواة ويحجب عنها الرقى فى معارج الكمال والانسانية .
(8) وأخيراً فان هذه الجماعات بعد أن نجحت فى سلب إرادة الشباب وأصابته بالانفصام – أغرقته فى لجة النفاق السياسى والإجتماعى ، وجعلته شباباً يظهر غير ما يبطن ويردد مع التائهين تحامله على الحضارة الغربية وإعجابه بها فى آن واحد . إنها تطعن فى الحضارة الغربية وكل ما حولها خليطاً من عناصر محلية وأجنبية وتطعيماً للمعقول بالمنقول ، بل حتى الإتجار بالدين وتداخله فى السياسة منقولاً أيضاً عن التجربة البرجوازية فى الولايات المتحدة – عن جماعة البيوريتان – احدى الطوائف المسيحية المتطرفة التى ربطت بين الدين والدنيا فجعلت نجاحات الناس مشروطة بأدائهم للشعائر المسيحية .
رابعاُ : الاصوليون والاحزاب
(1) رغم أن الدين هو احدى أنشطة الإنسان من اجل البناء ، إلا أن الإنسان المأزوم سياسياً لم يهدأ عن الزج بالأديان فى معترك السياسة واستخدامها كمعاول هدم لكل أسس الحياة الليبرالية التى يتوق إليها .
• فحينما كان التحالف الوطنى بين عنصرى الامة مضرباً للامثال حتى ثورة 19 , كانت مصر ومعها سوريا وتركيا تمثل دول الإسلام المعتدل بالمنطقة العربية ، مما أثار حفيظة المستعمر البريطانى وقتئذ وهدد بقائه .
• قام الإنجليز بنبش السراديب - للعثور على ضالتهم التى تفرق عرى الامة , فوجدوها فى تنظيم سرى أضاف بدعة الإسلام السياسى الى العقيدة الروحية – أطلقوا عليه جماعة الأخوان المسلمين . قام الانجليز بتجنيد الاخوان تحت عباءة الاسلام ، وقام الاخوان باستدعاء الافكار المتطرفة للحنابلة وابن تيمية من كهوف الماضى .
• لم تكن المؤسسات الدينية والازهرية فى مصر تعرف حتى الثورة الليبرالية فى عام 1919 شعاراتهم التى تتصف بالخنوع والديكتاتورية وتهميش الوطن وتألهه الحاكم منها : أن السلطان هو ظل الله فى أرضه ، وان الولاء للدين يسبق الولاء للوطن ، وانه لا عقل مع النص ومصلحة الدعوة .
• تعلم الأخوان فى مدرسة الإنجليز كيفية توظيف الإسلام فى الألاعيب السياسية والدسائس الماكرة والتوسل بالفتاوى لقتل الخصوم , فقاموا بقتل الخازندار والنقراشى وغيرهم الكثيرين بفتاوى دينية من منظرى الفكر الاخوانى - كالغزالى وسيد قطب وغيرهم ، بل إنهم قاموا باستبعاد واستئصال عدد من زملائهم المعتدلين فى التنظيم لمجرد المطالبة بالديموقراطية والمصالحة مع حزب الوفد .
• تخبط التنظيم بعد ذلك بين أروقة المؤسسات الشرعية بالدولة بحثا عن دور قيادى لهم , بعد أن استنفذ الانجليز أغراضهم منهم فى فصم عرى الأمة ، فتحالفوا مع القصر تارة ومع الأعداء تارة أخرى وأخيراً مع التنظيم العسكرى للضباط الأحرار فى عام 1950 .
• اصطدم التنظيم مع الضباط على الانفراد بالسلطة , فتفتت إلى جماعات وميليشيات - بعضها مستقلاً وبعضها مأجوراً , لكنها لازالت تحلم بالخروج من سراديب الماضى إلى نور العلن تحت عباءة شرعية – كحزب سياسى إسلامى ، بعد أن نجح التنظيم فى استقطاب أحزاب ونقابات يعمل تحت مظلتها .
(2) إنه مع قناعتنا بضرورة الاستجابة السياسية لمطالب بعض فئات المجتمع . إلا أن فكراً يراود أحلام الساسة والمتطرفين بإنشاء أحزاب سياسية ذات صبغة أو بصمة دينية – يضع هذا المطلب المحظور بين قاب قوسين أو ادنى لانه يضرب الامة كلها بحراب الطائفية – خاصة عندما يطالب الاقباط أيضا بأحزاب مماثلة فتتحول مصر الى مماليك مسيحية وأسلامية .
• إن الفكر المتطرف بعد ان بلغ شأواً بعيداً فى الشارع المصرى ، نتيجة التهاون معه تارة والتخاذل أمامه تارة أخرى ، ستحظى أحزابه - إذا قامت ، بشعبية جارفة من الأميين والغوغاء الذين يمثلون ثقلاً كمياً يتجاوز نصف المجتمع ، مما يمكن هذه الأحزاب من إستخدامهم كدروع سياسية للافتئات على السلطة والانفراد بالحكم .
• إن حزباً دينياً أخر يضاف الى عشرين حزب باهت قائم بالفعل ، سينجح فى اختطاف مصر إلى غياهب الماضى وفكر القرون الوسطى لانه لا يملك إلا العودة إلى ماض لا يعرفه إلا بالوهم ، ولا يستطيع التقدم فى حاضر لا يملؤه إلا الأقوياء ، كما انه لا يستطيع أن يتطلع إلى المستقبل لانه اسير ثنائية جامدة لا يرى فى الحياة سوى الحلال والحرام .
(3) ولان التاريخ ليس تراكماً عشوائياً من الإحداث , فلابد لنا من أسوة فى تاريخ بعض الاحزاب العالمية ذات الصفة الدينية. فها هى الصين تسعى لاسترضاء السكان المسلمين فى بعض الأقاليم الجنوبية بتعيين السكرتير العام للحزب الشيوعى مسلماً , فما أن تستقر أقدامه وتتوطد أركان حزبه ، حتى يسعى الى أسلمة الحزب وقياداته توطئة لبوادر انفصالية , مما حدا بالقيادات الحزبية الكبرى الى استئصال الفكرة والتنازل عنها .
(4) بل حتى الأحزاب القومية اليمينية التى تتصف بالمسيحية فى الولايات المتحدة والمانيا وغيرها - لم تسلم من منحى أصولى متطرف ذات قشرة صهيونية . فها هى الأحزاب ترغى وتزبد ... تعيد وتنشر لنا كتاب مارتن لوثر ( المسيح ولد يهودياً ) الذى أعاد فيه الاعتبار لليهود وكرر فيه دعوته لانشاء وطن قومى لهم فى فلسطين , فضلا عن اعترافهم بعلاقة وجدانية مع شعب اسرائيل الذين ما فتئوا يتقاسمون معهم التوراة ويؤمنون بإله واحد - خلق دين واحد وان المسيحية إمتداد لليهودية . ناهيك عن أن القاعدة التصويتية فى المجمع الانتخابى الامريكى يسيطر عليه أصوات الأصوليين فى هذه الاحزاب .
(5) أما فى إسرائيل ، فحدث ولا حرج . أن جماعة ( كاخ ) الاصولية المتشددة تسعى لانشاء حزب دينى أخر كى تتمكن من منبره إلى تقويض نظام الحكم الحالى فى إسرائيل وتحوله إلى ملكية دينية كخطوة أولى لحلم التلمود الاكبر . أما حزب شاس الدينى وجماعة جنود إسرائيل المتطرفة ( إيال ) ، فلا زالت تذهب الى قبر هرتزل مؤسس الصهيونية ( دين ودولة ) ويقسمون عنده قسم الولاء بعدم التنازل عن يهودا والسامرة - الأرض الموعودة فى الضفة الغربية .
• حرى بهم – إذن ، أن يعرفوا أن للعرب حقوق فى هذه البلاد وان يتذكروا مقولة الفيزيائى النابهة اينشتين ( إن أرضاً واحدة تضم العرب واليهود تحقق المثل اليهودية فى الالتزام الاخلاقى ) .
• وحرى بنا أيضاً ، أن نتدراس التاريخ ونعرف انه بعد سقوط مملكة داوود وانقسامها الى مملكتين - وسقوط إحداهما فى يد الاشوريين والاخرى فى يد البابليين فى القرن السادس قبل الميلاد , تم سبى أعداد غفيرة من اليهود إلى العراق , فكان المنفى البابلى بداية لموجات متتابعة من النزوح الاضطراى والاختيارى لليهود . إلى أن أصدر الملك الكلدانى كورش بعد سبعين سنة من السبى قراراً بعودتهم وغيرهم من المسبيين إلى أوطانهم سنة 550 ق . م ، فعاد منهم من عاد إلى فلسطين واستقر أخرون بالعراق بينما هاجر بعضهم إلى عدد من البلدان الأفريقية والآسيوية والأوربية فتفاعلوا مع أهلها وتبنوا ثقافاتها وتكلموا لغاتها .
• الصحيح إذن أن للعرب واليهود حقوق فى هذه الدار ، وعليهم أن يصافحوا بعضهم بعضاً بدلاً من طعنات الاصولية التى تنهشهم من كل جانب .
(6) علينا إذن أن نتخلص من الفكر الاصولى الهدام فى جميع الأديان ، ونتقاسم مع العالم الحر أملا جديدا يسمح لنا بتوطين فكر جديد نخترق به الحياة العصرية القائمة على حتمية الاعتماد المتبادل وتوازن المصالح بين الدول .
لقد تحركت الجغرافيا الساكنة الى تاريخ متحرك فانتقلت اليابان من أقصى الشرق إلى غربه واتحد شرق أوربا بغربها وتحولت تركيا من سلطة إسلامية إلى جمهورية علمانية وتعولم رأس المال ومعه ثورة الاتصالات ... ولا زالت مصر على وقفتها القديمة ... تتهيب الفكر الحر وتهادن المتطرفين وتستجيب لدعاه التخلف . إننا نرى أن كل حضارة لا تتكلم لغة العصر ولا تتفاعل مع أفكاره ولا تندمج فى منظوماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية – مصيرها الى زوال . إن كثرتنا العددية وتمسحنا فى حضارات عريقة قد لا يعصمنا من مصير فاجع قد يتشابه مع مصير المواطنين الأول فى القارة الأمريكية واستراليا وجنوب أفريفيا .
خامساً - تطويـق المنـاخ الطائفـى وآليـة تنفيـذه
1) عدم التخوف من فتح باب التعديل فى الدستور الوطنى بعد أكثر من ثلاثين عام من الإنغلاق – مثلما فعلت الصين ، فى مسعاها للتخلص من المذاهب السياسية والإقتصادية المغلقة ، وقامت بتعديل دستورها الوطنى خمس مرات فى أقل من أربعة عقود . إننا فى هذا الصدد ندعو إلى علمانية النظام السياسى فى جمهورية مصر العربية وطرح فكرة تعديل الدستور المصرى بالشكل الذى يتواءم مع علمانية الدولة الجديدة ومؤسساتها ، مع ضرورة إلغاء البند الثانى من الدستور – على وجه الخصوص ، لفصل الدين عن الدولة كبداية حقيقية للإصلاح السياسى والنهضة الفكرية – أسوة بأندونيسيا وماليزيا وبلاد غرب أفريقيا التى تدين بالإسلام ولا ترفعه شعاراً سياسياً أو دستورياً ، لإنه انتهاك صريح لحقوق المواطنة المصرية وشعوراً بالاغتراب وإحساساً بالأقلية.
2) الدعوة إلى إسقاط الهوية الدينية من كافة التعاملات الرسمية بالدولة وعدم طباعتها على بطاقة الرقم القومى .. اللهم إلا الإحتفاظ بالبيانات الشخصية والدينية– على ذاكرة الحاسب الآلى للأغراض الإحصائية والأمنية فقط . كذلك فإننا ندعو المجتمع المصرى – المأزوم فى تصوراته الدينية – بتسمية أبنائه من عنصرى الأمة بالأسماء الوصفية المشتركة ومحاكاة النمسا فى هذا الخصوص بإصدار قانون يحتم إختيار أسماء الأبناء من قائمة تقدم لهم
3) إعادة النظر فى جدوى بقاء دار الإفتاء ورسالتها ، بعد أن تلاشى زمن الوصايه على إتخاذ القرار أمام البديهة الأخلاقية ، كما تلاشى الإستسلام الكامل للإحكام القطعية فى تصنيف الحلال والحرام ، وبات لا يخضع لمنطق الغيبيات الصارم ، بل أضحت الأحكام نسبية - تمليها ظروف المكان والزمان وتتفرق فيها الشعوب تفرقها فى المنافع والأهداف . ولنا فى قضية الإتفاق والإختلاف على نقل الأعضاء وعدم إبداء الرأى فيها إلى الآن وتعطل مصالح المجتمع – دليلاً على ذلك .
4) كذلك - فإن دور الإفتاء ، وهم كثر – بعدما شغلتها الفتاوى الدينية فى القضايا السياسية وزاحمها فى الساحة فتاوى الإخوان وجماعات الإسلام السياسى وغيرهم – تروج عن غير قصد لتصنيف مصر دولة دينية على الخريطة الفكرية والثقافية .
• إن دار الإفتاء المصرية تأبه بالمسكوت عنه فى أدب الفقه والتراث الدينى وتتجاهل الوسطية فى اعتماد الأحاديث الدينية.
• كما انها لا تستند فى فتواها إلى حكمة على بن أبى طالب ( إذا أضرت النوافل بالفرائض فارفضوها ) .
• إنها أيضاً ، لا تقدم تفسيراً ولا تحرك ساكناً إزاء الآيات التى قد تحتمل بعض ألفاظها تشهيراً بالأخر – منها ( وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) . وأخرى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) . وهذه الأخيرة – على وجه الخصوص ، دفعت المرشد العام السابق للإخوان للإفتاء بمنع الأقباط من التجنيد بعد أن أفتى أخر بمنع مصافحتهم .
5) الجرأة فى التعامل مع من تسول له نفسه الإفتئات على حقوق الإنسان الأساسية وعدم الإكتراث بالملوثات السمعية والبصرية بحجة إتمام الشعائر الدينية . نذكر فى هذا الصدد نموذج حاسم لإصرار المجتمع المدنى – إبان حكم الرفاة الإسلامى بتركيا ، بعدم التنازل عن القيم الفنية والجمالية بالمدينة لصالح التعدى على نافورة فى ميدان عام لإقامة مسجد كبير بدلاً منها . كذلك نستدعى فى هذا المقام ، موقف الحكومة التركية وهيبتها أمام النائبة البرلمانية التى أرادت أن تتحدى النظام العلمانى للدولة بإصرارها على إرتداء الحجاب وموقف المجلس الفورى منها بالطرد وإسقاط الجنسية عنها .
6) وقف التصاريح الخاصة ببناء الكنائس والمساجد ، والعودة إلى فكر السادات المتقدم فى مجمع الأديان الواحد لليهودية قبل المسيحية والإسلام ، مع عدم المغالاة فى تدشين الكنائس كما فعلت أوربا فى العصور الوسطى ، ولا التباهى بإعداد المنابر الإسلامية كما تفعل مصر فى القرن الحادى والعشرين بعد أن تجاوز عدد المساجد والزوايا مائة ألف – حسب التقرير الرسمى لوزارة الأوقاف المصرية .
7) إتساقاً مع فكر مجمع الأديان الواحد، وفى ظل نظام عالمى يسعى إلى القضاء على النـزعات العنصرية والمذهبية، فإننا نرى ضرورة :
• إنشاء قسم خاص فى كليات التربية والآداب لتدريس مادة (الله) لتفريخ كوادر واعية تؤمن برسالة الكلمة وجدواها.
• أن يكلف هؤلاء الرعاة الجدد بتأليف كتاب واحد يتحدث عن وحدانية الله والقيم الأخلاقية والسلوكية فى التعامل مع الغير بالقدر الذى ينمى فيهم فضائل الصدق والإستقامة وحب الوطن والتفانى من أجله.
• إنتقاء الآيات المحايدة من سفر التوراة والإنجيل والقرآن بالشكل الذى يخدم مثل هذه القيم ويزرعها فى نفوس الصغار مع عدم التعرض للتفاصيل المذهبية للأديان.
ضرورة أن يتم الشرح والتلقين بأمثلة من التاريخ القديم والحديث لجميع النشئ فى المراحل المبكرة جداً للتعليم - على مستوى الفصل- كامل العدد، بدلاً من بدعة الإنقسام إلى مؤمنين وكفرة .
8) مراجعة الحلول التقليدية التى تتصدى لحملات التشويه المتعمد ضد الإسلام ، وأزعم أن الحل ليس فى قوافل التنوير التى تقرر دار الإفتاء إيفادها إلى الدول الأوربية ، بقدر ما يكمن الحل فى تفعيل الحديث الأمين للرسول الكريم " إن الله يبعث لهذه الأمة من يجدد لها كل مائة عام " .
واحسب أن هذا التجديد لن يتأتى إلا على عاتق المؤسسات الدينية – من خلال حزمة جادة من الإجراءات التنفيذية – أهمها :
• تبرئة ساحة الإسلام من كل فكر ومن كل سلاح يختبئ تحت عباءته ، بإصدار الفتاوى الفورية التى تستنكر وتحرم قتل كل نفس بشرية – من الأعداء قبل الأصدقاء .
• إزالة الغموض حول فكر الشهادة فى المنظور الإسلامى ، وإلزام المؤسسات المعنية بتقديم الصحيح والسمين الذى يزخر به الإسلام فى هذا الخصوص .
• استصدار قرار من الأزهر بتفويض منظمة حقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية بمقاضاة ومعاقبة كل جماعة مسلحة ترفع الإسلام شعاراً لها أو تلتفت حوله .
• حصر جميع الآيات والأحاديث التى قد تحتمل معان ينفذ من خلالها المتطرفون وأعداء الأسلام ، وقطع كل تأويل فيها بيقين دامغ – يقترب من روح الإسلام وصحيحه .
• الرقابة الأزهرية والقضائية على كل مطبوع غث ، وكل خطاب فج ينتسب زوراً إلى الإسلام .
• تهيئة الدعاة بدور العبادة إلى حقيقة أن الله ليس حكراً على أحد . وان القرآن الكريم صادق على تقدير الرسل والأنبياء جميعاً وحث المؤمنين على عدم التعالى على الأديان الأخرى .
• إعلاء قيم العدل والمساواة والرحمة والإجتهاد فى الإسلام – جنباً إلى جنب ، مع قيم الصلاة التى تؤمن بها الأديان جميعاً .
• تطوير منهجية البحث العلمى فى الدارسات الإسلامية ، بحيث تكون الأولوية للتفسير الحديث والإجتهاد القائم على إستنباط القيم الإنسانية التى ينطوى عليها القرآن الكريم والسنة ، مع إرساء تقليد جديد فى الإحتفالات الدينية لا يقوم على تكريم الحفظة بقدر ما يقوم على تشجيع المبدعين والمفسرين من جيل الشباب .
• فك الإرتباط بين الإسلام والإسلام السياسى من جهة ، ثم بينه وبين ما علق به من شوائب الصوفية والتقاليد البدوية من جهة أخرى . والأكتفاء به عقيدة روحية كونية – قوامها المحبة والتأخى بين البشر .
9) التأهيل النفسى والفكرى للوعاظ من رجال الدين وإلزامهم بعظات مكتوبة من هيئة المساجد وبطريركية الأقباط، مع استصدار قانون يجرم أى شطط يعن للخطيب أن يتجاوز به الخطوط الحمراء، كأن يجتهد شخصياً فى مناقشة بعض المسائل الخلافية بين العقائد أوالبحث بينها على أفعل التفضيل أو تحويل دور العبادة والمصلين إلى كائنات تجارب يملى عليهم من الشطط وقوارص الكلم ما يسلبهم سماحتهم وإرادتهم.
10) الإتفاق الكامل على تعديل منهاج العمل الوطنى لوزارات التعليم والثقافة والإعلام بالشكل الذى يسعى إلى ترويج الفكر العلمى لأبناء الوطن، ونقل المجتمع طواعية إلى الفكر العالمى والخروج به من التقوقع داخل شرنقة الأديان إلى ثقافة مستنيرة وبيئة وطنية متسامحة . إن الانكفاء على الفكر الأصولى للأديان فى عالم يموج بتيارات التغيير التى تتقاذفه من كل جانب - من شأنه أن يؤدى إلى :
• انفصام حاد فى الشخصية المصرية نظراً لعدم قدرة الفكر الأصولى للأديان على إمتصاص المؤثرات الوافدة واستيعابها ومن ثم فشلاً فى تفسير التناقض بين المرغوب والمسموح فى المجتمع، مما يؤدى إلى إختلال القيم الأخلاقية فى مخيلة أبناءه .
• كذلك فأن التمادى فى الفكر الأصولى للأديان ، قد يؤدى إلى الاستخفاف بالمعتقدات الدينية بعد أن فقدت هيبتها الروحية وأضحت إحدى وسائل التحايل لإضفاء الشرعية على كل ما هو مكروه ومرفوض، مثل زواج المتعة فى المذهب الشيعى وزواج الملل المعمدانية فى أمريكا.
• كما أن تكريس الأصوليين لحقيقة أن الله يدير أمور الحياة المقدرة سلفاً والتشفع بالأنبياء لاستجداء الحلول واستمطارها فى مجتمع يحتل أكثر من نصفه مقاعد المتفرجين فى صفوف الأمية، من شأنه أن يعطل التطور السياسى والمدنى، ويدفع بالمجتمع إلى إقتصاد الفاقة والفقر. ولنا فى إيران أسوة، حينما تعثرت ولازالت ، الإصلاحات الإقتصادية والسياسية بسبب سيطره المحافظين- باسم الدين ، على البرلمان وإعاقتهم للتشريعات المقدمة من الجناح الإصلاحى، بل أن الصلاحيات الممنوحة لرئيس الدولة تتضاءل كثيراًً أمام سلطات المرشد الروحى فى إنتهاكاته للدستور وتجاوز أطروحات الرئيس الإصلاحية .
• أيضاً ، صعوبة أن يستوى الساكن والمتحرك فى منظومة واحدة لا يشوبها نشاز، ففى مجتمعات تموج بالأمية ويسود فيها الفكر الدينى كمناص للخلاص ومدعاة للتباهى !! لم تستطع السلطات الدينية فى كافة العصور أن تواءم بين جوهر العقائد الدينية فى قيمها المطلقة - أو الثابتة، وبين هوامشها المسموح فيها بإعادة الترتيب كى تصبح أكثر وسطية وملائمة لتطور المجتمع.
• كذلك تنطوى الأصولية على مقاومة التغيير والنرجسية فى عشق الفكر الواحد وعدم قبول الآخر، ثم التسليم بفكر السلف فى قضايا المرأة والعلم. ونذكر فى هذا الصدد ، من تاريخ العصور الوسطى مأساة جاليليو عند إكتشافه لدوران الأرض وإستعطافه رجال الكنيسة بالعفو عنه ، كما لا ننسى ثورة أوربا ضد مارتن لوثر عندما فتح باب الإجتهاد المغلق وترجم الإنجيل من اللاتينية إلى الألمانية. بينما راحت بعض المذاهب المتطرفة فى الإسلام تطأ المكتبات وتحرق ما فيها من علم وفلسفة بعدما وصمتها بفكر الزندقة والإلحاد.
11) حتمية قبول المجتمع لمبدأ علمانية الزواج المدنى والمختلط، ومحاكاة الدول المتقدمة فى تنحية الأديان وعدم تورطها فى الكيانات الأسرية، وأن يكتفى بدورها الإختيارى لمن يشاء - عوضاً عن التردى فى ساحات المحاكم للفصل فى ملايين القضايا المعلقة – خاصة لغير المسلمين ، فى ظل قوانين كنسية صارمة تحرم الطلاق وترفضه ، فيضطر المؤمنون للتحايل والإنتقال من ملة إلى أخرى او الإنتقال من كنيسة إلى مسجد . أن الأصل فى الإرتباط هو الإقتناع العقلى بصواب الإختيار والاستجابة لرنين الحب فى القلوب الجادة. أما تغييب العقل وتهميش القلوب والتهافت على سيادة مبدأ تكافؤ الأديان وتطابق الملل فى العلاقات العاطفية بين البشر، فهو مدعاة إلى نشر بذور الطائفية ونوعاً من العبث الإجتماعى بمقدرات الأسرة والطفل .
12) تكثيف الوجود الثقافى فى قنوات الإذاعة المسموعة والمرئية، والاهتمام بالأعمال الدرامية التى تسعى إلى إعادة التوازن للإنسان المصرى ، وكذلك رفع الحذر عن التعامل مع العلاقات الطبيعية بين الرجل والمرأة - كمادة ممنوعة من التداول بعد أن نجح الكبت ثم الأصولية والبطالة فى تحويلها إلى زائدة دودية ملتهبة تتسكع فى الأزقة والخرائب .
يناط بالأعمال الدرامية والثقافية – أيضاً ، أن تتعامل مع مفردات الواقع المصرى بجرأة وأن تقتحم عدداً من المناطق المحظورة فى الفكر العربى حتى يتسنى إعادة صياغته وتطعيمه بالأسلوب العلمى- فى هذا الخصوص ، فإننا نسعى إلى :
• التركيز على فلسفة قبول الآخر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
• الاتفاق على القيم المطلقة التى تواضعت عليها جميع الفلسفات الدينية قاطبة من اليهودية والمسيحية والإسلام وامتلأت بها جعبة أساطين الساسة والمصلحين من زرداشت وبوذا وكنفوشيوس وغيرهم الكثيرين فى أرجاء المسكونة.
• التمرد على التقليد والثورة على الجمود والتردد فى قبول المسلمات.
• حتمية مرونة الفكر أمام تيارات الواقع ومتغيراته، وإنه ليس فكراً ما هو منزة عن التغيير، بل ليس شيئاً من الفكر العلمى على الإطلاق ما لا يرتد آخر الأمر إلى دنيا التطبيق والتوحد مع الأسرة العالمية فى مسعاها لحقوق الإنسان.
• التذكرة بأفكار الكاتب الإسلامى الكبير خالد محمد خالد حينما قال "مرحباً بكل فكر جديد يسمعنا حشرجة الأنقاض المتهاوية داخل تفكيرنا المدبر"، فى كتابه الجميل (إنه الإنسان).
13) التصالح مع النفس والتسامح مع الذات والآخرين على حساب القوائم المشتركة بين بنى البشر. فنظرة عجلى إلى المجتمعات الإسلامية والمسيحية بل حتى اليهودية، تقسم يميناً صادقة على إنقسامات حادة وتعدداً فى المذاهب واتهامات متبادلة بالخروج عن صحيح الدين . ظهر الإنقسام السياسى فى الإسلام غداة وفاة الرسول فى أجتماع السقيفة حيث برز التمايز بين الأنصار والمهاجرين فى إختيار الخليفة. وبعد أن استكانوا لخلافة بنى أمية، تعمقت آثار المواجهة بين على - كرم الله وجهه ومعاوية، وما عرفه المشايعون لعلى من إضطهاد لازمهم طوال الدولتين الأموية والعباسية. ثم أخذ هذا الإنقسام رداءاً مذهبياً أفرخ عدداً من مذاهب الشيعة المختلفة التى تبنتها طائفة الخوارج من ناحية ومذاهب السنة المتعددة من ناحية أخرى.
أما فى المسيحية، فلقد إنقسمت الكنيسة عند نشأتها بين أنصار بطرس الرسول الذى قصر دعوته على اليهود وبين بولس الرسول وأنصاره الذين انطلقوا لجميع شعوب الأرض. ثم شهد مجمع خلق دونيه بآسيا الصغرى فى منتصف القرن الرابع الميلادى خلافاً لاهوتياً حول طبيعة السيد المسيح إنتهى إلى عزل ديسقورس بطريرك الإسكندرية ونفيه. ومنذ ذلك التاريخ إنفصلت كنيسة إسكندرية الأرثوذكسية عن نظيرتها الكاثوليكية ثم إنفصلت هذه الأخيرة أيضاً إلى كاثوليكية لاتينية غربية فى روما وأخرى أرثوذكسية أغريقية شرقية فى القسطنطينية. وفى القرن السادس عشر، زادت الملل المسيحية واحدة أخرى هى البروتستتانية بعد إنشقاق جديد من الراهب الألمانى مارتن لوثر نتيجة لتجاوزات الكنيسة الكاثوليكية فى العصور الوسطى وتواطؤها مع ذوى النفوذ وتجارتها فى صكوك الغفران . ثم ما لبثت هذه الملة الأخيرة أن أفرخت أيضاً عدداً لا بأس به من النحل وكل منها يدعى بأنه الحق الذى لا يأتيه الشك ولا يعرف الباطل.
14) عدم تحصين النفوس ضد التغيير وتشجيع أبناء المجتمع على فلسفة الحراك الفكرى للتغلب على النصوص الجامدة للأديان، والتذكرة بما جاء فى المسيحية : أعطنى قلبك وفى الإسلام: إن الله لا ينظر إلى صوركم بل ينظر إلى قلوبكم.
ولعله من دواعى الدهشة، أن تمر المسيحية فى قرونها الأولى بعدد من المجامع المسكونية، ساهم كل منها - باجتهاد، فى الإستجابة لمطالب المجتمع كلما دعت الحاجة إلى رسم سياسة جديدة أو للنظر فى الأمور العقائدية والطقسية- نذكر منها:
• مجمع نقية فى منتصف القرن الثانى الميلادى لوضع قانون الأيمان.
• مجمع القسطنطينية فى أواخر القرن نفسه لمناقشة بعض الهرطقات بالأدلة والحجج.
• مجمع أفسس فى القرن الرابع الميلادى لإصدار عدد من القوانين الكنسية لخدمة المجتمع.
أما اليوم، فإن حال المؤسسات الدينية يعانى من ردة فكرية لم تشهدها العصور الأولى، وانغلاق متين فى فتح باب الإجتهاد، والإكتفاء فى المسيحية بما أفرزته عقول السلف من مجامع وآراء - وفى الإسلام قناعة أخرى بالمذاهب الفقهية المعروفة بالمالكية والحنيفية والشافعية والحنبلية، رغم أن الأزهر نفسه حينما أنشأه الفاطميون كان مركزاً للدعاية الشيعية !! ولكنه تطور مع التاريخ وقبل بين جنباته المذاهب السنية فى تعايش هادئ وتفاعل مستمر.
وأخيراً فإن البديل المتاح لعدم التفاهم أو التقارب بين المذاهب المختلفة ، والإصرار على عدم تحييد الأديان وفصلها عن النظم السياسية للدولة - هو مع الأسف صدام الحضارات، بالمفهوم الذى روج له صمويل هانتيجتون ، مما يؤدى إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وإنتشار المزيد من النـزعات الطائفية والإثنية فى كثير من مناطق التطهير العرقى ودول العالم الثالث – أو تتحقق نبوءة فوكوياما بنهاية التاريخ .
سادساً : قـاطـرة العلمـانيـة
1) لم ينل مصطلح موسوعى فى العلوم السياسية - قدر من الإتهام والتشهير ، مثلما نال العلمانية فى القرن العشرين – بعدما اوسعه معارضوه لغطاً وإفكاً . فمن أدعى عليه زندقة وإلحاد ومن انتهى به ملهاة يتريض فيها نفر من المثقفين .
إن العلمانية لا شان لها بالفلسفات الدينية لأنها لا تتعامل مع الأنساق الإيمانية المغلقة . إنها مصطلح سياسى يعنى فصل الدين عن الدولة حتى تتمكن من التعامل مع الظواهر الإنسانية فى العالم – كظواهر زمنية نسبية لا تعرف الإطلاق .
2) إن هذا الخلط فى المفاهيم يعنى أن ذهنية المصرى – فى أعماقها لم تتمثل التنوير ، لأنه قد غاب عنها إشراقة عصر الإصلاح الدينى فى القرن السادس عشر بتحرير العقل من سلطان المؤسسة الدينية ، كما غاب عنها عصر تنوير الفكر بسلطان العقل فى القرن التاسع عشر .
• إنها لم تتمثل التنوير لأنها استسلمت لفكر الأشاعرة ورفضت فلسفة إبن رشد القائمة على التأويل والبحث عن الباطن فى النصوص الدينية حتى تنتهى أسطورة إحتكار الحقيقة والتعصب لها ( الدوجماطيقية ) . إنها رفضت إعمال العقل منذ عشرة قرون – يوم أن أصدر المنصور قراراً بنفى إبن رشد ، فأتخذ له ومؤلفاته موقعاً فريداً فى الحضارة الغربية على يد الإمبراطور الإنجليزى فردريك .
• إن العقل المصرى لم يتمثل التنوير لإن الثقافة العربية لا تحتمل فى حدها الأدنى جرأة المساس بالموروث أو نقده . إن عدداً من بؤر الإبداع المشعة – كانت قد لاحت فى ( الشعر الجاهلى – مقدمة فى فقه اللغة العربية – أولاد حارتنا – الإسلام وأصول الحكم – مجلة الجامعة ) وأجهضت جميعها ، لحساب المؤسسة الدينية – بعد ان أقترب كل من ( طه حسين – لويس عوض – نجيب محفوظ – على عبد الرازق – فرح أنطون ) فى تلك المؤلفات من فكر براجماتى أصيل ، سعوا من خلاله إلى تبنى المذهب الديكارتى فى تعرية جذور الوهم الكامن فى التراث العربى .
• إن العقل المصرى لم يتمثل التنوير لأنه يعيش تناقضاً بين فكر ماضوى – أسير الأصالة ، يرى فى دروبه الحلول لكل مشاكل الحاضر ، فلا حاجة له إلى رؤية مستقبلية تحرك التاريخ . وبين المعاصرة التى تقتضى ألفة بينه وبين الكون لا تتأتى إلا من خلال الفكر الحر وإطلاق الخيال والإبداع .
• بل إن الطهطاوى ذاته – وهو أحد طلائع الطبقة الإجتماعية والفكرية – المناط به التنوير فى القرن التاسع عشر ، بعد أن قرأ للمفكرين الفرنسيين : روح القوانين وعقد التأنس ومعجم الفلسفة – فمن عجب ! إنه لم يتمثل هذه الثقافة كعصر لتحرير العقل ، بل أنه حذر من الثقة المطلقة فى العقلانية ، وشملت مؤلفاته عدداً من التحفظات والمحاذير – لعل أطرفها أن النظافة شئ من الإيمان الدينى وليست قيمة حضارية . بل إن قاسم أمين أيضاً ، حينما عرض لتقدم الفنون والآداب فإنه يردها لأسباب دينية وحين يعرض لتأخرها فيردها لأسباب إجتماعية وسياسية .. والمعنى ان العقل المصرى دينى فى مجال التقدم – علمانى فى مجال التخلف .
• إن العقل المصرى كذلك ، لم يتمثل التنوير لعدم قناعته بهوية قومية واضحة وتأرجحه بين عربية وإسلامية ومصرية – تخلو كل منها من صفة العلمانية فى حدها الأقصى – بينما المتاح له فى النظم الأقتصادية والسياسية التى يتبناها تتصف بالعلمانية فى حدها الأدنى . فها هو برتراند راسل يؤكد على أن الرفاهية الأقتصادية والاجتماعية فى النظام الحر مشروطة بنقد العلوم الدينية والسياسية . بينما يقول إنجلز فى المذهب الإشتراكى إن كل شئ عليه ان يبرر وجوده أمام محكمة العقل والنقد أو يتنازل عنه .
• وأخيراً ، فإن العقل المصرى أيضاً لم يتمثل التنوير لأنه فى الأساس شخصية فرعونية ، والحضارة الفرعونية لم تكن سوى مقدمة لفكر علمى ممتزجاً بفكر أسطورى ، أضحى كلاهما خادماً لبناء المقابر وأستقبال الروح . لذلك لم تؤثر الحضارة الفرعونية فى الحضارة الإنسانية ولم تنجح فى تأسيس عقل إنسانى متطور من الإسطورة إلى العقلانية - مثلما فعلت الحضارة اليونانية التى استطاعت برؤيتها الفلسفية أن تفصل القيم الغيبية عن القيم الحضارية وان تؤسس هندسة عقلية قائمة على العلم والمنطق .
3) ولأن العلمانية تؤسس دعواها على العلم والمنطق وتبشر بالتميز والإبداع وتنشر جناحاها على الفكر الأخر ولغة الحوار ، فإن الديموقراطية إذن - إقرار للعلمانية بانها إتجاه أيدولوجى دافع للحرية والتطور ، يدعم أحدهم الأخر ويقويه فى إختيار الحكام وتداول السلطة والإعتراف بحقوق الإنسان . بيد أن التاريخ العربى فى هذا الخصوص - لم يكن أبداً هو تاريخ المشاركة السياسية فى إختيار الحكام وتداول السلطة وإحترام الحقوق ، بل كان الحكم المطلق الذى أرتضاه الشعب فى المنطقة العربية أقرب إلى العقد الإجتماعى الذى يتنازل فيه الناس طواعية عن حريتهم – فى مقابل الأمن والإستقرار .
• أستثمر المنظرون والفقهاء هذا الولاء الأبكم للشعوب فأحسنوا توظيف النصوص الدينية لمآربهم ودعوا إلى مزيد من الإستقرار والتجانس ، حتى جعلوها أمماً يمتنع عليها صوت الناقد وتكتلاً لا ينفذ إليه الإصلاح – بعد أن أستكانوا إلى واقع مستبد وإحتكموا إلى ( حاكم جائر أو غشوم خير من فتنة تدوم ) كما تقول أمثالهم ، وحذروا من الثورة - لأنها تؤدى إلى الفتنة والفتنة أشد من القتل .
• أعاد الإسلام ترتيب القيم السياسية والإجتماعية فى منظومة الحكم ، فانشأ مجلساً للشورى – كان أقرب إلى مجلس الحكماء ، يضم بين اعضاءه المقربين والمريدين وبعضاً من ذوى النفوذ . كانت الشورى فى الإسلام أقرب إلى ديموقراطية الإغريق التى أقتصرت لديهم على النخبة السياسية من المثقفين – وفيها يخضع الفرد إلى إستبداد الأغلبية التى تستنكر الحرية وتدعى العدل والشرعية باسم الشعب والأغلبية .
• كذلك فإن العقل الشرقى حينما نقل عن الغرب مفهوم الحرية فى القرن الثامن عشر ، لم يدرك حينئذ البعد الديموقراطى لها فى الحياة السياسية ، بل عزاها إلى منطق الجبر والاختيار فى الفكر الدينى ، وكأن الحرية السياسية والاجتماعية هى حرية العبد ومسئوليته امام الخالق – ولا شان لها بمسئولية الحاكم السياسية أمام شعبه .
• هذا العرض المخجل للاستبداد الشرقى – لم يكن حكراً على المنطقة العربية وحدها ، بل كان جزءاً من تراث الإنسانية كلها إبان العصور الوسطى . وقد تجلى ذلك السواء فى المواجهة الصليبية بين صلاح الدين والملك الانجليزى ريتشارد ، إذ لم يكن الأخير يمثل حكماً ديموقراطياً دستورياً فى مواجهة حكم إسلامى إوتو قراطى متسلط ، بل كان كل منهم يمثل حكماً مطلقاً للسائد فى عصره ، حيث لم تكن المشاركة السياسية فى شئون الحكم قد أستقرت بعد - فى الضمير الإنسانى .
• ولما أرتقت الإنسانية بمفاهيم الحرية والديموقراطية فى الدول المتقدمة منذ مائتى عام خلت ، طالب الوطنيون فى مصر بالا تأخذنا العزة بالإثم . وعلينا ان نحاكى الدول المتقدمة فى حياة العدل والمساواة وسبل الإصلاح الإقتصادى والإجتماعى . بل لقد طالبوا بالأخذ عنهم - دون تخوف ، فى كل العلوم والفنون ونظم الإدارة والسياسية . تماماً ، كما اخذ الأمريكيون عن الثورة الفرنسية فلسفتهم بدون تحفظ ، وأخذ فولتير الفكر البراجماتى عن العقلية الأنجلوسكسونية – بدون تردد .
4) كانت الثورة الأمريكية عام 1776 من أولى المحاولات الواعية لنظام سياسى جديد قائم على حكم الشعب ، بينما كانت الفرنسية عام 1789 ثورة داعمة للحرية واحترام الحقوق ، بشر بها جان جاك روسو فى عقده الاجتماعى الذى رأى فيه أن السلطة انتقال من الحاكم إلى الأغلبية - وان ممثلى الشعب هم الإرادة العامة التى تتمتع بالسلطة وتباشرها باسم المجموع .
• إلا أن خلو هذه الحرية من الضوابط وعدم خضوع المؤسسات السياسية لقيود دستورية ، أحال الحرية إلى فوضى وتحولت ديموقراطية الأغلبية إلى سوق للاستبداد المقنن ، فتعددت الانقلابات وعادت الملكية إلى فرنسا ثم الجمهورية من جديد .
• تولد عن هذا النظام حكماً فردياً إمبراطوريًا باسم ديموقراطية الأغلبية – استغله نابليون وغيره فى إشاعة الإرهاب الثورى فى عدد من ممالك أوربا التقليدية ، إلى أن أوقف زحفه – الحلف المقدس بالنمسا .
• لم تعر الديموقراطيات الفرنسية – فى فكر روسو ، اهتماماً إلى توزيع السلطات فى توازن وكوابح ، مثلما فعل اللبرالى الفرنسى مونتسكيو ، الذى راى بدوره أن الجدل حول مصدر السلطات هو جدل ميتافيزيقى فى المنتهى ، وأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة – فدعا إلى تقييد السلطات وتوزيعها بين مؤسسات متكافئة وفاعلة من خلال الفصل الكامل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ، حتى تصبح كل سلطة قيداً ورقيباً على الأخرى – فتمنع إنحرافها . هكذا إنتهت الحرية بضوابطها – فى الفكر الأخر ، إلى ديموقراطية ليبرالية ، تستلهم المصالح العليا للبلاد ولا تنتهك الحقوق الأساسية للأفراد – بعد أن أصبحت دولة للنظام وسيادة القانون .
5) وعندما أخذت مصر بتجربة النظام الديموقراطى ، فإنها اقتصرت على الشكل دون المضمون ، فأقامت الأحزاب وتنزهت الانتخابات وتنوعت أشكال المؤسسات الشعبية والبرلمانية ... ولكنها خضعت جميعاً لسلطة رئاسية واحدة ، فعادت بذلك إلى فوضى روسو التى تفتقد الديموقراطية الدستورية ويغيب عنها التقاليد الليبرالية المستقرة ، التى تمكن الأفراد من ممارسة حرياتهم واختيار حكامهم ومساءلتهم .
• إن الأحزاب النازية والحكومات العسكرية والفاشية التى خرجت من أحشاء الإستبداد والتعصب فى أوائل القرن العشرين – لم تصل إلى سدة الحكم على أسنة الرماح ، بل إنها تبوأت السلطة من خلال قبول شعبي كاسح – اهدرت بعده حقوق الجماهير باسم الديموقراطية والأغلبية .
• بينما نجد أن الديموقراطية الليبرالية حينما فرضها الجناح اليعقوبى الغالب - بيد عمر - على ألمانيا واليابان ، توهجت مظاهر الحياة الاقتصادية والسياسية فى هذه الدول بالقيم الإنسانية والحضارية . إن مصر أيضاً بدأت – بيدها – إرهاصاً للتنوير والليبرالية لم يكتمل ... فقد طالبت ثورة عرابى منذ قرنين من الزمان بالدستور والمساواة ووضع القيود على سلطة الحاكم ، بل لقد عرفت أيضاً لغة القانون فى أول جمعية تشريعية لها فى القرن التاسع عشر – قامت بعدها بثورة ليبرالية عام 1919 ، كان من نتائجها صدور أول دستور لها عام 1923 .
6) هكذا نجد إن جهود الشعوب وتطلعها إلى الحرية لم تتوقف ، ولم تكن أبداً رمية بلا رامى . فبعد أن تحرر الإنسان من أغلال الطبيعة وفك طلاسمها وسبر أغوارها ، قفز إلى مسار مواز للتحرر من القيود السياسية والاجتماعية . لذلك فأن الإدعاء بإن الديموقراطية إرث للغرب وحده – هو محض هراء لأنه ينطوى على نظرة متعالية وجهل بالتاريخ . إن النزوع إلى الحرية كالرغبة إلى المعرفة ، حاجات إنسانية أصيلة لا تفرق بين شرق وغرب – فلإن ظهرت الديموقراطية الليبرالية فى إطارها السياسى والتنظيمى ، كسبق زمنى فى بلاد الغرب ، فلقد ظهرت قبلها أيضاً الكتابة فى بلاد الشرق مما يؤكد كونية العلم والحرية . إن الهند دولة من الشرق خرجت من ربقة الإستعمار البريطانى منذ ما يزيد على نصف قرن ، إلا أنها لم تتخل يوماً عن علمانية النظام السياسى ، بكل ما يحمله من الديموقراطية وصناديق الإنتخاب والتعدد الحزبى – رغم الفقر والتعدد الطائفى والإمية .
• كذلك فأن الإدعاء بإن التراث الديموقراطى شرط مسبق للحرية والديموقراطية – هو وضع للعربة أمام الحصان . فالديموقراطية تبدأ بنظام علمانى يمكنها من الممارسة الليبرالية للمؤسسات الدستورية ، ومن خلالها يتكون الإرث الديموقراطى .
• إن إندونيسيا ، دولة أخرى من عمق الشرق – لا تشفع لها تقاليد عريقة فى الديموقراطية وليس ورائها الماجناكرتا فى القرن الثانى عشر كإنجلترا ، أستطاعت بدستور علمانى أن تجرى إنتخابات حرة بها – لم تهدد إستقراراً ولم توقع محظوراً رغم أقلياتها المتعددة وأغلبيتها المسلمة .
7) وأخيراً يطل علينا هذا القاسم المشترك بين الديموقراطية السياسية فى شكلها الليبرالى وتناغمها مع أقتصاد السوق – المناط به التقدم المنشود . إننا نرى أن كل منهم يمهد للأخر ويسبقه ، لأن كل منهم يستلهم حرية الفرد ويحترم خياراته – فى زمن باتت فيه الحقوق تمتد إلى أبعد من إختيار الحكام وتداول السلطة .
• لقد أصبحت الحقوق إلتزاماً دولياً تفرضها المعاهدات والمواثيق – فى عصر إنكمشت فيه المسافات وتحررت فيه التجارة وتزايدت فيه الضغوط الدولية للشفافية على الأسواق المالية.
• لقد استطاعت العلمانية ، بعد ما أفرخت نظماً ديموقراطية فى الدساتير الحرة أن تهذب من غلواء رأس المال وجموحه فى الدول الغربية وأن تضع القيود السياسية والضوابط الإقتصادية التى تعزز من الإقتراع العام . لقد استطاعت أيضاً ، أن توظف الأدوات الضريبية لإعادة توزيع الثروة وتمكنت من منع الإحتكار لإقرار العدل والمساواة ، كما توسعت كذلك ، فى الخدمات العامة والاجتماعية . ولعل غلبة الاتجاهات اليسارية فى تجارب الأحزاب الإنجليزية والدول الإسكندافية – خير دليل على ذلك .
• أن مصداقية هذه النظم جميعها وفاعليتها لا يمكن أن تتحقق بتجاهل الديموقراطية الليبرالية والمساءلة السياسية ، بل قد يتراخى فى غيابها معنى القانون ويسود الاستثناء وينتشر الفساد ويغيب اليقين - فيهرب الاستثمار ويتآكل الحماس الوطنى للتغيير .
سابعاً : دراسة مقارنة للمؤشرات الاقتصادية والسياسية بين جمهورية مصر العربية وبعض الدول العلمانية – ذات الأغلبية الإسلامية
Turkey |
Malaysia |
Egypt |
|
People |
|||
Population, total |
70.7 million |
24.8 million |
67.6 million |
Population growth (annual %) |
1.5 |
1.9 |
1.8 |
Literacy total (% of ages 15 and above) |
84.4% |
86.8% |
49% |
Economy |
|||
GNI, Atlas method (current US$) |
197.2 billion |
93.7 billion |
93.9 billion |
GNI per capita, Atlas method (current US$) |
2,790.0 |
3,780.0 |
1,390.0 |
GDP (current $) |
238.0 billion |
103.2 billion |
82.4 billion |
GDP growth (annual %) |
5.8 |
5.2 |
3.2 |
GDP implicit price deflator (annual % growth) |
21.3 |
3.3 |
3.8 |
Value added in agriculture (% of GDP) |
13.4 |
9.5 |
16.1 |
Value added in industry (% of GDP) |
21.9 |
48.6 |
34.0 |
Value added in service (% of GDP) |
64.7 |
41.9 |
49.8 |
Exports of goods and services (% of GDP) |
27.7 |
111.4 |
21.7 |
Imports of goods and services (% of GDP) |
31.0 |
93.4 |
23.6 |
Gross capital formation (% of GDP) |
23.0 |
21.8 |
17.1 |
Technology and infrastructure |
|||
Fixed lines and mobile telephone (per 1,000 people) |
628.6 |
567.2 |
177.2 |
Telephone average cost of local call (US$ per three minutes) |
0.1 |
0.0 |
0.0 |
Personal computers (per 1,000 people) |
44.6 |
146.8 |
16.6 |
Internet users |
4.9 million |
7.8 million |
1.9 million |
Paved roads (% of total) |
34.0 |
75 |
78.1 |
Aircraft departures |
105.7 thousand |
186.4 thousand |
41.8 thousand |
Trade and finance |
|||
Trade in goods as a share of GDP (%) |
45.9 |
182.4 |
18.8 |
Trade in goods as a share of goods GDP (%) |
77.6 |
347.4 |
35.6 |
High-technology exports (% of manufactured exports) |
1.9 |
58.3 |
0.8 |
Foreign direct investments, net inflows in reporting country (current US$) |
104.0 |
3.2 billion |
646.9 million |
Present value of debt (current US$) |
1.0 billion |
48.3 billion |
26.7 billion |
Total debt service (% of exports of goods and services) |
46.5 |
7.3 |
10.3 |
Short-term debt outstanding (current US$) |
15.2 billion |
8.4 billion |
3.5 billion |
Aid per capita (current US$) |
9.1 |
6.4 |
19.4 |
Source: www.worldbank.com
By: Gilan El Hamzawy
GNI: الدخل القومى الإجمالى
GDP: الناتج المحلى الإجمالى
GNI per capita: متوسط الدخل الفردى/ سنة
مقالات للكاتب
1. إدارة الأزمات والفكر التقليدي
4. حوار في الشئون الاقتصادية والعدالة الاجتماعية (1) .. حوار في الشئون الاقتصادية والعدالة الاجتماعية (2)
7. محددات نقدية للتنمية المصرية
8. اليورو ومحددات التنمية الشاملة
9. استثمار الكساد العالمي في توجيه السياسة المصرية
10. الأفق التاريخي والديمقراطي للفكر العلماني
11. تصور مستقبلي لاتحاد شرق أوسطي
12. برنامج انتخابي ينتظر مرشح رئاسي
Designed & puplished by:
Mediterranean Technology - Emad Samir
Copyright
© 2006-2017 www.drgeorgefahmy.com. All rights reserved